سيجارة تتحدث
" بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه " ( مز 6 : 2 )
أنا لفافة من التبغ صغيرة الحجم ، أنيقة المظهر ، عرفت من قديم الزمان ، ولى أصدقاء كثيرون فى كل مكان . البس رداء جميلا ، الورق الأبيض واسكن داخل علبة أنيقة مزينة برسومات جميلة . وأنت تجدنى فى كل مكان فانا احتل مركزاً ممتازاً فى جيوب أصدقائي ، واستقر على مكاتبهم نهارا ، وتحت وسائدهم ليلا .
واشغل مكانا كبيرا فى واجهات المحلات وارفف الدكاكين . واملأ يفط الإعلانات الضخمة ذات الألوان المضيئة . وتجد صورتى فى الجرائد اليومية والمجلات ، ورائحتى تملاء جو الصالونات والقطارات وعربات الترام .
أن أصدقائي يخلصون لى اشد الإخلاص فيدمونى إلى أصدقائهم ومعرافهم ، ويبالغون فى إكرامي فيصنعون لى علباً من ذهب ويشعلوننى بولاعات من فضة . وقد توطدت صداقتى بالكثيرين منذ زمن بعيد ، فان 90% من أصدقائي تعرفوا بى وهم بعد أحداث فى سن المراهقة ، إذ وجدوا فى شبعاً لغرورهم وعلاجا لمركب النقض فيهم ، إذ أظهرهم بمظهر الرجولة وأوحى لهم بالاعتداد بالذات فيتباهون بى أمام الآخرين ولا سيما من الجنس الأخر . إن أصدقائى من كل جنس ومن طائفة ، فيهم الغنى والفقير ، العالم والجاهل ، الشيخ والشاب ، الرجل والمرأة ... وتتوطد صداقتى معهم على مر السنين والأيام فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منهم .
ومهما طرا عليهم من ظروف فإنهم لا يتركوننى . لقد مرض بعضهم نصحه الطبيب بالابعتاد عنى ولكنهم فضلوا البقاء فى المرض عن أن يغضبوننى . وبعضهم أفلس واحتاج للقوت الضرورى يسد به رمقه ورمق أولاده ولكنه ازداد تشبثاً وتعلقاً بى . لقد صدق احد المعجبين بى حينما قال : " لقد عزمت أن اذهب إلى الجحيم لأتمكن من إشعال سيجارتى هناك " .
إن أصدقائي على استعداد كامل للتضحية وفى سبيلى مهما كلفهم الأمر . ولقد ضحى بعضهم بماله وصحته ومستقبله وحياته الأبدية لكى يرضينى . إنهم ينفقون على بسعة آلاف الجنيهات ، فالذى يدخن 30 سيجارة نظيرى فى اليوم ، عندما يصل إلى سن السبعين يكون قد انفق ثروة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه وينفق خمسين جنيها أخرى على شراء أعواد الثقاب . أما عن قوتى وتأثيري فحدث ولا حرج ، فانا احوى 19 مادة كيماوية لكل منها تأثير خاص .
واهم هذه المواد النيكوتين وحامض البروسيك والبيرودين والاكرولين والفرفورال ، والكمية التى احتويها من هذه المادة الأخيرة تزيد على ما يوجد منها فى أوقيتين من الويسكى .
وعن طريق هذه المواد المختلفة وبما لى من سلطان فى تكوين عاد ، اضمن سيطرتى الكاملة على كل قوى الإنسان حتى لا يستطيع منى فكاكاً وأنا أسير فى طريق معين فأبدأ من أصابع اليد حيث أضع وصمتى عليها ثم انتقل إلى الفم حيث اترك آثاري على الأسنان ، ثم اتجه إلى الحنجرة فألها ومن هناك انزل فى القصبة الهوائية حتى اصل إلى الرئتين فأحدث احتقانا والتهابا فى أغشيتهما المخاطية التى يشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذى لا يتأثر باى دواء من أدوية السعال المعروفة .
وأحياناً أتسبب عن غير قصد منى فى إصابة بعض أصدقائي بسرطان الرئة . ومن الرئتين اشق طريقى إلى الدورة الدموية حيث اترك رواسبى على جدرانها فأصيبها بتقلص الشرايين وتجلط الدم أحياناً. ثم اصل إلى القلب فأزيد من عدد ضرباته وخفقانه – وفى امكانى أن أؤثر على المعدة فافقدها الشهية وأصيبها بالتهابات قد تصل إلى حد التقرح .
وفى مقدرتى أيضا أن أؤثر على الجهاز العصبى فاجعله قلقاً مضطربا وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح . وقد حاول بعضهم أن يضعف تأثيرى عليهم فوضعوا داخلى قطعة من الفلتر ولكنها لم تستطع أن تحجز سوى 10% مما احتويه . ولكن تأثير الأكبر هو على نفسية أصدقائي فأوحى لهم باستحالة البعد عنى وأخيفهم وأزعجهم من محاولة تركى وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم فيستسلمون ويصبحون لى عبيداً أذلاء وان كنت آسفة على شىء فهو لان بعضاً من اعز أصدقائي قد استطاعوا الإفلات من قبضة يدى – لقد شعروا بالخسارة فى السير معى وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبدية فصرخوا إلى الله طالبين النجاة منى ووثقوا فى دم يسوع المسيح الذى يطهر من كل خطية ، وأعلنوا غضبتهم على فمزقونى أربا أربا وطرحونى أرضا وداسوا على بإقدامهم .
ومنذ ذلك الوقت انقطعت صلتى بهم وتحولت صداقتهم لى إلى حرب شعواء أعلنوها على لكى يفقدونى بقية أصدقائي الذين أولهم أنت .
